وبالرغم من أننا نعتقد دينياً بأن الحياة ليست حياة قرار ، وبرغم ايماننا العميق بأنها مرحلة مؤقتة ، إلا أن الكثير منا يبحث عن الديمومة ليس فقط في الأوضاع المعيشية ، بل وفي العلاقات أيضاً ، مخالفين أهم قانون من قوانين الطبيعة الدنيوية ، ألا وهي أن ثبات الحال من المحال ! وأن التغيّر والتبدل من السمات الأساسية للأشياء وللكائنات الحية أيضاً .
إن الديمومة لا تدل بالمطلق على النجاح ، فعلى سبيل المثال ، دراسياً وعملياً لابد من خوض بعض تجارب الفشل لتحصيل النجاح ، وإني أعتقد بأن استمرار علاقة ما ، كالزواج والصداقة لا يدل على النجاح بالضرورة ، وإنما يكون النجاح برضا كلا الطرفين عن هذه العلاقة معظم الوقت ، وبغض النظر إن طالت مدة العلاقة أو قصرت ، فستبقى علاقة ناجحة وإن لم تستمر طويلاً . إلا أننا من الجانب الآخر نخشى التغيير ونخاف الفقد ، ونرتبط عاطفياً بكل ما نمر به وما يمر بنا ، وهذا يفسر بقاء البعض في اوطانهم رغم سوء أحوالهم ، رافضين تطوير الذات مهنياً او معيشيا في مقابل مفارقة الوطن عدة سنوات ، وهذا ما يفسر أيضاً ارتباطنا بعلاقات وإن كانت تسبب لنا الإزعاج أو التعاسة في أسوء الأحوال ، متمسكين بالمثل الشهير القائل ( اللي تعرفو أحسن من اللي ما تعرفوش ) رغم ان العكس أحياناً يكون صحيحاً !
فلتكن خياراتنا أوسع من حدودها الضيقة ، فلا يعقل أن نُصاب بحالة من الثبات والجمود وكل ما حولنا يتغير ويتبدل ، ولا متعة أكبر من متعة اكتشاف الذات ، قدراتها وخفاياها ! ومن ثم التعامل معها بمرونة لتستطيع التأقلم مع كل متغير يحدث حولها . بل لتكون هي المتغير الرئيس في الحدث ، فلا عجب أن بعض الأشخاص تصنعهم الأحداث ، والبعض الآخر هم من يصنعها ، فالتغيير المستمر هي علامة ايجابية على تطور الإنسان بشكل عام ، لأن تطور الإنسان لا يقتصر على النمو الجسدي ، بل يرافقه نمو فكري ومعرفي ، وهذا لا يتعارض مع الاستقرار ، بل ينبغي أن يتماشى معه ويوازيه . ولنتذكر دوماً بأن
الوقت لا يعوض .