بَيْنَ شَطَّيْ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبِلَ، يَجْرِي نَهْرُ الْحَيَاةِ ثَمِلاً بِعَقِيقِهِ الْفَخْمِ ،لِيَصُبَّ فِي بَحْرِ أَرْضُ لِتَسْتَيْقِظَ، وَاِتَّضَحَتْ خُطُـــوطُ الْأُفُــــــقِ،
وَاِنْتَشَرَ أَرِيجُ الْأَزْهَارِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى الْأَسْوَارِ، وَاُشْتعلَ لَهِيبُ الشَّمْسِ فَتَضَوَّعَتْ رَائِحَةُ النُّضْجِ فِي الْغُصُونِ،..
الْفَـــأْسُ فِي يَد الْفَـــلَاَحِ شَقَّتْ قَلِبَ الْأَرْضِ فَتَحـــرَّكت فِيهَا روَاكـــِدُ الْحَيَاةِ، وَفَاحـــتْ رَائِحَةُالْبُذورِ، وَتَقَلَّـــــبَتِ فِيهَا كَـــوَامـــن الْألَمِ الْأَبْكَـــمِ والكِـــدِّ الْمَحْـــــتُومَ...
وَاِخْتَلَطَ النُّمُوُّ الْجَدِيدُ بِعُرْفِ الْجُذُورِ الرَّاسِخَةِ، وَطُفُولَة الْحَيَاةِ بِشَيْخُوخَةِالْأُصولِ، وَهَفَ النَّسِيمُ الْعَابِرُ يَنْثُرُ الْعُطُورُ يُعْلِنُ الْعُبُورُ بَيْنَ الْجِبَالِ وَالتِّلَالِ يُلْهِمُ الْمِدَادُ فَيُنَيِّرُ السُّطُــورُ..
كُلُّ مَا يُحْدَثُ وَحَدَثَ عَلَى هَاتِهِ الْأَرْضَ عَاطِفَة مَرْكَّبَةٍ لَا تُوصفُ وَلَا تُحَدُّ، يجْمَعُ حكمةَ الْقُيُودِ وَ الْحُدودِ، وَالْأَفْنَان تَعْرَجُ إِلَيْهِ ناسجة مِنْ وَرِيقَاتِهَا سدُولاَ مُتَحَرِّكَةُ فِي سُكُونٍ،
يُرْبِكُ النَّفْـــسَ فَتُدَرِّكُ الْمعْنَـــى...
هُوَ الشَّوْقُ قَدْ ثَارَ و فار للرّياضِ الْغَنَّاءَ، فَأُطْلِقَ مِنْ وِجْدَانِكَ شَخْصًا مَجْهُولًا يَطْمَعُ فِيوَجَعٍ، وَتَفطرُ إِلَى الْبَعيدِ السَّحِيقِ، تُنَبِّهُهُ الْمَحْسُوسَاتُ وَتُزَكِّيهِ ،الْمُدْرَكَاتُ وَتُؤَجِّجُهُ الذِّكْرَيَاتُ..
فَأَنْتَ أَيُّــــهَا الْإِنْسَانَ صُورَة مِنْ مَلَاَيِين الصُّوَرِ الْحَيَوِيَّةِ الَّتِي نَهَضْتِ لِتَفْهَمَ الْحَيَاةُ كَمَا نهضَ جَمِيع أُولَئِكَ الْمسَاكينَ، فَوَقفْتَ تُلَقيَ الْأسْئِلَةُ عَلَى الْعَابِــــرِينَ،
تَسْعَى بَيْنَ شَخْصِ مُتَطَاوِلٍ شَغُوفٍ أَوْ مَازَحَ مُسْتَقْصي فَحَسْبُ، فَتُدَرِّكُ أَنَّ الثّبَاتَ مَنْسُوج مِنَ الْوَجَلِ والإضطراب وَبَعْضُ الْألَمِ الَّذِي يَخْلُفُهُ تَعَاقُب الْمَوَاسِمِ وَتَتَالِي الْفُصُولَ، وَأَنَّ الْبَقَاءَ مَصْنُوع مِنَ التَّغَيُّرِ وَالتَّحَوُّلِ..
بِاِتِّسَاعِ الْأُفُقِ الرّحبِ وَعُمْقِ اللَّيْلِ انْشُدْ أَنْتَ الإختِلاء وَالسَّكِينَةَ وَراءَ تِلَال فُصِّلَتْ بَيْنُ عُمْرَان الْبُشْرِ الضَّاج الْمُقَيِّدَ وَعُمْرَانَكَ الْمُسْتَقِلِّ فِي حِضْن السُّكُوتِ الْغيرِ مُتَناهِي، هُنَاكَ تَكَون فَرِيداً في مملكتك الْفَيْحَاء تَنْقِضُ أَحُكَّامَ الْفِنَاءِ،
مَمْلَكَة الْكِتْمَانِ وَالْجِمَالِ وَالْجَلَاَلِ فَحِينهَا فَقَطُّ تَعَرُّف مُعَنَّى الْحَيَاةِ....أنتَ الْحَيَاة لِأَنّكَ تَشْرَحَ الْحَيَاةَ ،....فِي مِحرَاب التّبتُّل وَالْهِدَايَةَ الْإلَهِيَّةَ ،وَحَّدَهُ اللَّهُ وَمُسَايَرَةُ الْأَقْدَارِ سَبِيلنَا لِلْإِجَابَةِ عَلَى كُلُّ عَلَاَمَة اِسْتِفْهَام مُكْتَسِبَةٍ أَوْ فُطْرنَا عَلَيهَا.. وَحدَهُ رُضَابُ الطَّبِيعَةِ مِنْ مَنْبَعِهِ إِلَى مَصَبِّهِ لِمَا يُظَهِّرْهُ مِنْ أَرْيَحِيَّةٍ وَوَفَــــاءٍ
فَتُدَركَ مَعَنى الْحَيَاةِ وَسِرِّ الْفِنَـــاءِ وَتُلْقَّنُ دَرْسَ الْعَطَـــاءِ.